القيادة التحويلية تُعزِّز أداء المعلمين

 

 

أمل بنت سيف الحميدية **

تُعد القيادة التربوية أحد المرتكزات الرئيسة لتطوير المؤسسات التعليمية والارتقاء بجودة التعليم، فهي الأداة التي تضمن توجيه العمل التربوي وتنسيقه بما يحقق الأهداف التعليمية بكفاءة وفعالية. وفي خضم البحث عن أنماط قيادية مؤثرة، برزت القيادة التحويلية بوصفها أحد أكثر الأساليب قدرة على تحفيز العاملين وتنمية كفاءاتهم المهنية وتعزيز بيئة مدرسية محفزة تدفع نحو الإبداع والتميز. وقد لاقت هذه النظرية اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة لفعاليتها في مواجهة تحديات التعليم المعاصر، وتلبية متطلبات التطوير المستمر داخل المدارس.

وتبرز أهمية القيادة التحويلية في كونها تتجاوز حدود الإدارة التقليدية القائمة على الأوامر والمكافآت، لتصبح عملية تفاعلية تعتمد على الإلهام والتحفيز والتمكين وبناء الثقة بين القائد والمعلمين. هذا الأسلوب القيادي يُسهم في رفع مستوى الرضا الوظيفي وتحفيز الدافعية الداخلية وتشجيع التعاون والعمل الجماعي، وهي عناصر أساسية لتحسين الأداء الوظيفي للمعلمين وضمان جودة المخرجات التعليمية. كما أنّ تبني القيادة التحويلية يتماشى مع التوجهات الاستراتيجية في العديد من الدول ومنها سلطنة عُمان، التي تسعى من خلال رؤية عُمان 2040 إلى تحقيق تعليم نوعي ومستدام يقوم على أسس الابتكار والتطوير المهني.

وقد نُشرت دراسة بعنوان أثر أنماط القيادة التحويلية في الأداء الوظيفي لمعلمي مدارس الحلقة الثانية بمحافظة مسقط في سلطنة عُمان، في مجلة العلوم التربوية والنفسية (2025) والتي ركزت على وجود تفاوت في تطبيق القيادة التحويلية داخل المدارس وضعف فهم بعض العوامل المؤثرة في فعاليتها. ومن هنا جاءت الحاجة إلى دراسة تحليلية تركز على الكشف عن طبيعة العلاقة بين القيادة التحويلية والأداء الوظيفي لمعلمي الحلقة الثانية في محافظة مسقط، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الوسيطة التي قد تعزز أو تحد من هذا التأثير. اعتمدت الدراسة على المنهج التحليلي كإطار بحثي قادر على استقصاء العلاقات بين المتغيرات وفهم تأثيراتها. وقد شملت العينة 210 معلمين ومعلمات من الحلقة الثانية بمدارس محافظة مسقط، تم اختيارهم وفق أسلوب العينة العشوائية الطبقية لضمان تمثيل واقعي للمجتمع الأصلي.

أظهرت النتائج أن مديري المدارس يمارسون أنماط القيادة التحويلية بدرجة مرتفعة جدًا من وجهة نظر المعلمين، وهو ما يعكس وعيًا متزايدًا لدى القيادات التربوية بأهمية هذا النمط القيادي في إدارة المدارس. كما كشفت النتائج عن مستوى عالٍ من الالتزام المهني والتعاون بين أفراد العينة، الأمر الذي يعزز بيئة عمل إيجابية ويدعم جودة الأداء التعليمي. والأهم من ذلك، أوضحت النتائج أن العوامل الوسيطة – وبخاصة الرضا الوظيفي والمرونة المهنية تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز العلاقة بين القيادة التحويلية والأداء الوظيفي، مما يعني أن تأثير القيادة لا يتحقق بصورة مباشرة فقط، بل يحتاج إلى بيئة تنظيمية ونفسية داعمة تسهم في ترسيخ أثره.

انتهت الدراسة بعدد من التوصيات التي يمكن أن تُسهم في تطوير السياسات التعليمية، أبرزها تبني القيادة التحويلية كنموذج إداري رسمي في المدارس وتطوير برامج تدريبية متخصصة لرفع مهارات مديري المدارس في هذا المجال. كما أوصت بالتركيز على تهيئة بيئة مدرسية داعمة للمعلمين، تعزز رضاهم الوظيفي وتحفز دافعيتهم الداخلية، إلى جانب توفير المرونة المهنية التي تمكنهم من التكيّف مع التغيرات التربوية المستمرة. كل ذلك في إطار يتسق مع التطلعات الوطنية لرؤية عُمان 2040، والتي تسعى إلى تحقيق تعليم متطور قائم على الإبداع والاستدامة.

وبذلك يمكن القول إن القيادة التحويلية تمثل خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه إذا ما أرادت المؤسسات التعليمية تحقيق جودة شاملة في أدائها. فهي ليست مجرد ممارسة إدارية، بل نهج متكامل يستند إلى الإلهام والتحفيز، ويضع المعلم في قلب العملية التعليمية باعتباره المحرك الأساسي لنجاحها. وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أن دعم القيادة التحويلية وتعزيز العوامل الوسيطة المرتبطة بها يعد مدخلاً فعالاً لرفع كفاءة المعلمين وتحسين جودة التعليم في سلطنة عُمان. ولا يقتصر أثر ذلك على الجانب المهني فحسب، بل ينعكس مباشرة على حياة المعلمين من خلال شعورهم بالرضا والدافعية، وعلى الطلاب عبر توفير بيئة تعليمية محفزة تُنمّي قدراتهم وتدفعهم إلى الإبداع والتميز. وهو ما يجعل من الاستثمار في هذا النمط القيادي استثمارًا في مستقبل التعليم والمجتمع معًا.

** باحثة تربوية

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة